حقوق المعاق في الإسلام
الخطبة
الأولى
إنَّ
الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ
أنفسِنا؛ وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ
له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه
ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ
الدين،
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ
التقوى، عباد الله، الابتلاء سنة ربانية ماضية
على ما اقتضى حكمة الرب وعدله: (وَبَلَوْنَاهُمْ
بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ)، ومن هؤلاء الذين ابتلوا بالمصائب المعاقون ذو الاحتياجات الخاصة،
والإعاقة حقيقتها إصابة الإنسان من آفات أو نقص في بدنه، وفقد بعض حواسه، وعقله
وسلوكه، وهذا المبتلى إذا صبر ورضي، وطمأن قلبه كان ذلك خيرا له، فإن البلاء من
أوسع أبواب تكفير الخطايا والسيئات، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَذًى مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ
تحاط خطاياه كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"،
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ
الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي نفسه ومَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ
وليس عليه خَطِيئَةٍ"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ
وَلاَ غَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلاَّ
كَفَّرَ اللَّهُ بها مِنْ خَطَايَاهُ".
أيُّها المسلم، وإن الإسلام اهتم بشؤون المعاقين كاهتمامه بسائر الناس، لأن الحق
العام هو مشترك فيما بين الجميع، ولهذا نوه الله بذكره: (لَيْسَ
عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا
يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ويقول جلَّ وعلا: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا
عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، أتى عبدالله بن متكوم
للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله وعند النبي أحد رجال الكفر والضلال وقد مال إليه
النبي وجاء ليسلم لأن في إسلامه يسلم كثيرا من أتباعه، وكأنه أعرض عن ابن مكتوم لا
إعراضا عنه ولكن طمعا في إسلام ذلك الإنسان فعاتب الله نبيه بقوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى*وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنْ
اسْتَغْنَى*فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى*وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى*وَأَمَّا مَنْ
جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)، فكان النبي إذا لقيه يقول: "مرحبا
بمن عاتبني به ربي".
أيُّها المسلم، ومظهر عناية الإسلام بالمعاقين في أمور:
فأولا: أن
هؤلاء المعاقون إنسان مثلنا في الإنسانية والبشرية يدخلون في عموم قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، فهو إنسان مثلك فإعاقته لا
تحط من قدر إنسانيته، ولا يجب التكبر والتعالي عليه.
أمر ثاني: أن
الله جلَّ وعلا جعل الكريم عنده من أتقاه وأطاعه، قال جلَّ وعلا: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فأكرمنا أتقانا لله ليس من صحة أبداننا
ومظهرنا، وإنما صلاح قلوبنا وأعمالنا، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأبدانكم؛ وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"،
إن الرحمة بالإسلام التي تطلب العون والإحسان، وجاءت بها شريعة الإسلام تضرب المثل
الأعلى في المحافظة على حقوق الإنسان المعاق أولى بها من غيره، لأن الأمة
الإسلامية أمة تراحم وتعاون وتعاطف لا يمكن أن يضيع بينهم معاق يقصره شيء من
الأمور والناس في غنى وفضل وراحة.
ومن ذلك أيضا من مظهر الرعاية في الإسلام المعاقين: أنه أمر
بمخالطتهم، ونهى عن التقزز عنهم، فإن في مخالطتهم أناسا لهم، وإظهاراً بشعور
المحبة والمودة وإنهم إخوانه في الدين والإنسانية يستند إليهم، ويتقوى بهم، وهذا
شأن المسلمين في أحوالهم كلها.
ومن ذلك: أن الله أسقط عن المعاق شيئا من التكاليف الشرعية، فالصلاة
الخمس يصليها الإنسان قائما فإن عجز عن القيام صلاها قاعدا، فإن عجز عن القعود
صلاها على جنب، فإن عجز صلاها مستلقيا على قدر طاقته، وكذلك صوم رمضان إذا كانت
الإعاقة تمنعه من الصوم أطعم عن كل يوم مسكينا: (وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)،
والحج إلى بيت الله الحرام إن قدر بدنيا فالحمد لله: (وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، وإن عجز عن بدنه وأمكنه النيابة بماله فعل وإلا سقط عنه، فإن: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا).
أيُّها المسلم، وعلى المبتلى الصبر والثبات، وسؤال الله العافية والرضا بما قضاء الله
وقدر: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ عجب إِنْ
أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ
شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَيْسَ ذَاكَ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ"، يقول الله جل وعلا: (مَا
أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
أيُّها الإخوة، أيُّها المسلمون، وللمعاقين في الإسلام حقوق عظيمة فمن حقوقهم: أن تهيأ الحياة
الكريمة لهم، ليعيشوا مع إخوانهم السالمين في راحة وطمأنينة.
ومن ذلك تخفيف بعض المسؤوليات عنهم.
ومن ذلك أيضا: تهيأت الجو العام لتعليمهم وتثقيفهم، وإيصال الخير
لهم.
ومن ذلك أيضا: رعايتهم الصحية، بعلاجهم والإشراف على ذلك، ومساعدتهم
في العلاج الصحي أو الأجهزة المطلوبة ووسائل النقل، أو الإعانة في الزواج ونحو
ذلك، واستئجار المحل، ولأن كانت الدولة وفقها الله ممثلة في الضمان الاجتماعي قد
أداة واجبا كبيرا، ورتبت لهذا المعوقين مكافئة على قدر حالهم، إلا أن المجتمع
المسلم مطالب بالقيام بواجبه.
أيُّها المسلم، ومن حقوقهم علينا: أن لا ننظر إليهم نظرة الازدراء والاحتقار، وإنما
ننظر نظرة الرحمة والمودة وإحسان.
ومن حقهم علينا أيضا: أن لا نغتابهم، ونلمزهم لأجل عيبهم، فالله
يقول: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
ومن حقهم علينا: أن لا نسخر ربهم ونستهزئ بهم فإن هذا أمر خطير، يقول
الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ
مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ).
أيُّها المسلم، يا من يتمتع بالصحة والعافية ويتقلب في نعم الله صباحا ومساءا في
صحة وغنى وعافية، أحمد الله على هذه النعمة، وعلم أنها فضل من الله عليك: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ)،
احذر، احذر الازدراء، والاحتقار، والتكبر على هؤلاء، فإن الذي أعطاك هذه النعمة
قادر أن يسلبها منك طرفة عين: (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أيُّها المسلم، عامل هذا المعاق معاملة إسلامية حسنة، فلا تخدعنه لكونه معاقاً في
بصره، أو معاقا في سمعه، أو معاقا في رأيه وفكره، فتستغل ذلك بغشه وخداعه والتلبس
عليه، عامله بالحسنى، عامله معاملة إنسان قادر مفكر بصير بالأمور، أما أن تستغل
إعاقته البصرية أو السمعية أو الفكرية فتستغله بالغش والخداع والتلبس عليه،
والتحايل على أكل ماله فإن هذا أمر محرم لا يجوز لك؛ بل أتقي الله في ذلك، أرحم
هؤلاء رحمة تدل على إيمانك وإخلاصك.
إن أمة الإسلام اعتنوا بالمعاقين أيما اعتناء سواء كانوا من المسلمين
أو الذميين، لم يفرقوا بين أحد من ذلك لأن الإسلام دين رحمة، ودين إحسان، ودين
عدل: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)،
ولقد اعتنى الخلفاء الراشدون من بعدهم من هذه النوعية فرتبوا لهم مستحقات،
وأعانوهم، وحفظوا لهم حقوقهم، لأن دين الإسلام، دين الرحمة، دين الكرامة
والإنسانية، إن من يدعي أن الإسلام أهمل هذه الحقوق دعوة باطلة؛ بل الإسلام سبق كل
المجتمعات في المحافظة على الحقوق الإنسانية والعناية بها، لأن نبينا نبي الرحمة:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
إذا فعلينا أن ننظر إلى هذه الفئة نظرة احترام ورحمة وعطف وإحسان،
والمساعدة في كل ما يهمهم من علاج أو وسائل نقل، أو أجهزة يحتاجون إليها، أو إعانة
في الزواج، أو تسهيل تملك مسكن أو تأجيره إلى غير ذلك من الحاجات التي لابد منها،
وإن أعطوا من الزكاة فلا مانع إذا كانوا فقراء عاجزين فهم أولى من غيرهم، أسأل
الله لي ولكم العافية في الدنيا والآخرة، أقولٌ قولي هذا، واستغفروا الله العظيم
الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ
الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا
مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا
شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ
تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعد:
فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى
حقَّ التقوى، عباد الله، إن المسلم واجبا بأن يؤمن أن
الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، وأن كل قضاء قضاه الله، فعلى كمال حكمة الرب
وكمال علمه، وكمال عدله، وكمال رحمته: (لا يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، هذا الابتلاء الإنسان في
نفسه أو ولده أو ماله إما لتكفير حسنات ورفع الدرجات، وإما لحط الخطايا والسيئات:
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).
فعلى هذا المعاق أن يشعر بهذا الأمر وأن يشمر فيه، ويجتهد في القيام
بما يستطيع القيام به قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ
الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى
كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ
ولاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ لكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ
اللَّهِ وَمَا شَاءَ".
أيُّها المسلم، إن الإعاقة ليست إعاقة نسبية فقط؛ لكن الإعاقة الحقيقية الإعاقة
البصيرة إعاقة الروح والقلب، فالمعاقون في أفكارهم، والمعاقون في بصائرهم وعقولهم
هم أشد ضررا من هذا المعاق في جسده، لأن هذا المعاق في جسده إذا اتقى الله ونوى
الخير كفر الله به السيئات ورفع به الدرجات؛ لكن المعاقون في أفكارهم وبصائرهم
وعقولهم هؤلاء هم البلاء العظيم، نسأل الله السلامة والعافية: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ)، (أَمْ
تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)،
وأهل النار يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا
كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) قال الله: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ)، فإعاقة البصيرة والعمى عن الهدى، وإعاقة القلب عن التفكر والتدبر
هي المصيبة والبلية.
أيُّها المسلم، إذا نظرة إلى مبتلى فعرف عظيم نعم الله عليك، ترى من فقد بصره أو
سمعه أو قدميه أو نحو ذلك، فحمد الله على نعمته عليك وقل: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلى بِهِ
وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً"،
أنظر إلى ممن هو دونك في الصحة والعافية لتعرف عظيم نعم الله عليك، فشكر الله على
نعمته، وليكن نظرك لأهل البلاء نظر اعتبار ونظر اعتراف لله في الفضل في أحوالك
كلها، فإن الله يحب من عباده أن يشكروه ويثنوا عليه: "إِنَّ اللَّهَ يحب من عبده أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ
عَلَيْهَا وْيَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا"،
على المسلم يسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، كان صلى الله عليه وسلم إذا
التقى بالعدو قال: "أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ
تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا
لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا"، فالمسلم يسأل الله
العافية؛ لكن إذا أبتلي رضي بقضاء الله وطمأن بذلك: (وَبَشِّرْ
الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)،
أموال المعاقين ما يتم مكافئتهم من الضمان وغيره يجب حفظها ورعايتها، والإنفاق
عليه منها وعدم التعدي عليها، وتوفيرها لهم بأن حاجاتها أكثر من حاجة غيرهم، فعلى
الجميع تقوى الله في الأحوال كلها.
واعلموا
رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه
وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين،
فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ
به بنفسه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك
محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن
سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا
معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ
أمنَّا في أوطاننا وأصلح ولاة أمرنا وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ
وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، سدده في أقواله
وأعماله، ومنحه الصحة والسلامة والعافية، وأعنه على كل ما همه إنك على كل شيء
قدير، اللَّهمَّ شد عضده بولي عهده الأمين سلمان بن عبدالعزيز، وسدده في أقواله
وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم،
واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما
تصنعون.
- خطبة الجمعة 12-08-1434هـ
http://www.mufti.af.org.sa/sites/default/files/12-8-1434k.mp3
No comments:
Post a Comment